المرأة والمجتمع المدني

مريم تمردت على النظام الصارم في المنزل ودعمت المظاهرات بجمع التبرعات

عالية طالب

قد لا يتخيل الكثيرون ان المظاهرات كانت سببا في شفاء فتاة لم تتجاوز السادسة عشر من العزلة والانطواء وحولتها الى ثائرة تتصدر المسيرات التي تقوم بها المدرسة دعما للمحتجين بل وتجمع التبرعات لهم، لكن هذا ما حصل بالفعل.

تقوقعت " مريم فراس" التي لم تتجاوز ربيعها السادس عشر، منزوية بين كتبها الدراسية التي جعلتها لا تهتم كثيرا بنفسها ولا بالآخرين فهي طالبة مجدة تواظب على سماع الأغاني الإنجليزية التي تبحث عن الانسان، لكن كل شيء تغيّر فجأة بعد المظاهرات.

 كانت مريم في غرفتها العلوية توصد بابها حينما سمعت هتافات المتظاهرين والاضراب الذي اعلنه طلاب المدارس، تابعت كل مقطع وكل خبر وصورة وفيديو باهتمام بالغ ثم هرعت الى الفيسبوك لتتابع لقطات أخرى لم تظهر على التلفاز وتقول "اكثر ما شدني هو ان الناس يطالبون بحقوقهم ويرفضون السكوت، وحينما سقط ضحايا الناصرية استفزتني الحادثة فقررت مع زميلاتي ان ننظم مظاهرتنا داخل المدرسة وبالفعل تم الأمر".

 زجت مريم بنفسها بين جموع الطالبات واخذت تهتف بحماس وتطالب بتغيير النظام ورفعت ذراعها الذي شوهته بيدها يوما بشفرة حادة دون ان تخشى نظرات التساؤلات المستهجنة حاملة شعارها بيدها وتحولت بين ليلة وضحاها من فتاة تحبس نفسها في غرفتها الى انسانة جديدة تخرج للمطالبة بحقوقها، بل باتت تقود المظاهرات دون خوف.

 "غادري ياجدتي انا بخير، لا تخشي شيئا" قالت مريم لجدتها التي حاولت ان تبقى بجانبها اثناء احدى المظاهرات التي قادتها مريم مع زميلاتها احتجاجا على مقتل طالب في مدرسة المتميزين، خرجت مريم يومها وهي تحمل صورة ذلك الطالب وتطالب بمحاسبة القتلة.

 زميلات المدرسة اللواتي انتبهن مثلها لما يجري اتفقت آرائهن  معها بضرورة المشاركة، أما العائلة التي كانت تغريها بترك غرفتها والذهاب الى اي مكان ترغب فيه شرط ان لا يهدد حياتها، لم تعد تقوى على الاستمرار بقمع صوتها، توقفت مريم عن سماع الأغاني الإنجليزية التي تبحث عن الانسان وباتت تسمع الأغاني الحماسية للمظاهرات وتملأ هاتفها النقال بها مثلما تملأه بصور المظاهرات ومقاطع الفيديو.

 تقول مريم "لم اعد اهتم بالبحث عن الانسان لأنني وجدته في ساحات التظاهر، اكثر شيء احبه في المظاهرات هو انها تطالب بالحقوق ويجب ان يكون لنا دور فيها كطلاب".

 لم تكن الحياة ذات بريق جاذب لمريم قبل انطلاق المظاهرات وليس فيها ما يحفز الرغبة في البدء باكتشافات جديدة ، كل شيء يسير وفق ما خططته أمها لها، التفوق الدراسي ، الدراسة بلغة ثانية ، اختيار الصديقات، الانصياع للأوامر التي عليها تنفيذها بانتظام دون ان يكون لها حق الرفض أو القبول السلبي، عليها ان تعلن دائما موافقتها على كل ما تستلمه من نظام تم رسمه بعناية والا فأنها لا تصلح أن تكون أبنة لأم نالت شهادة الهندسة بجهد كبير.

 اليوم بات تلفون مريم ارشيفا للمظاهرات في جميع المدن العراقية، فهي تتابع هتاف نساء في مدن  حاولت قمع المرأة بكل قوة تمتلكها، وها هي تقف وسط أمكنة  كانت ممنوعة عليها لتؤدي دورها مع رجل لم يعد ينظر اليها كأنثى مغرية عليه ان يقتنص وجودها للتحرش اينما حانت الفرص، هو الان الاخ الحامي الذي يتكامل معها وبدونها تبدو الصورة ناقصة تماما.

 مريم لم تعد تراجع طبيب الاسرة واصبحت زيارة مراكز التسوق اخر اهتماماتها، ولم تعد لغتها الانكليزية بحاجة لتحسين النطق عبر اغاني انكليزية فقد اجادت ترجمة هتافات المظاهرات دون الاستعانة بمن يفسر لها معنى وجود الانسان في هذا الكون الفسيح.

 تقول مريم "انا وزميلاتي لا نشارك في المظاهرات فحسب، بل نجمع التبرعات للمتظاهرين، نجمع مبالغ صغيرة من مصروفنا اليومي ونرسلها الى ساحة التحرير لشراء الغذاء والفراش للمطالبين بالحقوق المسلوبة".

 اليوم تشعر مريم بحماس كبير للحياة وتسأل عائلتها قبل ان تغادر المنزل "من منكم سيأتي معي الى ساحة التحرير لكنها في الوقت ذاته لا تترد في احراجهم وتسأل دوما السؤال ذاته "لماذا سكتم حتى اوصلتم البلاد الى هذه المرحلة"؟ فلا احد يجيبها منهم، انهم منذهلون من تلك الفتاة المنعزلة التي باتت تتوهج بشكل مفاجئ وتطرح أسئلة يعجزون عن اجابتها.

م/ نقاش

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى