زنا المحارم في العراق.. ملفات سرية مغلقة

سندس الزبيدي_ البصرة
خلال زيارتي لأحد مراكز التجميل في أحد أحياء مدينة البصرة ، دار حديث بيني وبين عاملة في الصالون وكانت تقدم لي خدمة معينة , وهي فتاة شابة في العشرين من عمرها تبدو مُجهدة ومتعبة نفسياً ، وجهها شاحب وخلف نظرات عينيها نوع من الحزن يكتنفه الغموض ، تفاجأت بوجود طفل اقترب من الفتاة واحتضنته وقالت لي هذا ابني ، سألتها عن سبب احضار ابنها معها في محل عملها في الصالون ،اجابتني بنبرة حزن ” ليس لديه احد غيري ،وليس لدي اهل، وصالون الحلاقة هو مكان عملي وسكني في نفس الوقت ” .صدمت من اجابتها مما زاد من فضولي بمعرفة تفاصيل اكثر عن قصتها .
كانت الفتاة (س) هي احدى ضحايا زنا المحارم ، فأبنها هذا هو نتيجة لهذه الجريمة البشعة جراء علاقة جنسية مع خالها ، والادهى من ذلك ان والدتها كانت تعمل بالدعارة ، وكانت غالباً تترك ابنتها وحيدة في المنزل ، الى ان ترصد لها خالها ومارس معها العلاقة الجنسية ، وتكررت هذه العلاقة عدة مرات ، بعد ان رضخت الفتاة (س) لرغبات خالها الشهوانية المنحرفة ، وبعد ان علم خالها بحمل بنت اخته منه ،استغل ضعف الفتاة باستدراجها واقناعها بأن تسرق اموال امها ومصوغاتها الذهبية ويهربا معا بعيدا عن امها .
وبالفعل نفذت (س) عملية السرقة ،لكن خالها المنحرف استولى على الاموال والمصوغات وهرب لوحده الى جهة مجهولة تاركاً ضحيته تصارع وحشية الحياة فهربت هي الاخرى هائمة بالشوارع الى ان القي القبض عليها في احدى الليالي من قبل الشرطة ، وسجنت بتهمة زنا المحارم لمدة سنتين .و انجبت ابنها اللقيط في السجن ،وبعد انتهاء فترة حكمها عملت في هذا الصالون.

تقول الناشطة سارة جاسم مسؤولة ملف المرأة والطفل في جمعية النضال لحقوق الانسان: أن ” زنا المحارم ملف مغلق في العراق يتم التكتم عنه لأسباب كثيرة اهمها العادات والتقاليد السائدة في المجتمع الشرقي التي تحتم على الستر والحفاظ على سمعة العائلة والعشيرة ، إضافة الى انها تضع اللوم على النساء فقط دون اعتبار لكونها انسان ولها الحق بمقاضاة الجاني حتى وان كان من محارمها للقصاص منه ولكي يرد اعتبارها لنفسها، وبالتالي تكون ضحية هذه الجريمة ضحية ثانية للعادات والتقاليد. وقد تتعرض الضحية غالباً الى صدمة التجاهل والسكوت والكتمان والتي يؤدي بها الى اصابتها بالاكتئاب ومن ثم الى محاولة الانتحار “.
على الرغم من اعتراف المحاكم العراقية والشرطة المجتمعية بوجود هذه الحالات، إلا أن هناك معوقات تواجهها النساء تتمثل في كيفية إثبات التحرش وإقناع المجتمع والقانون بأنهن ضحايا رغبات أقرب الناس إليهن.

وذكرت المحامية والناشطة النسوية منال حميد ، ” ان المادة 385 من قانون العقوبات العراقي 111 لسنة 1969 تضمن نصاً يعاقب على جريمة زنا المحارم مدة لا تزيد على عشر سنين أو بالحبس من واقع أحد محارمه أو لاط بها برضاها وكانت قد اتمت الثامنة عشرة من عمرها “.
وأضافت أنه ” يعتبر ظرفاً مشدداً أذا حملت المجني عليها أو ازيلت بكارتها أو اصيبت بمرض تناسلي نتيجة للفعل او كان الجاني من المتولين تربية المجني عليها او ملاحظتها او ممن له سلطة عليها. ورغم وجود قانون يعاقب على زنا المحارم الا انه لا يطبق بالشكل المطلوب نظراً لغياب الشكوى من قبل المعنفات ” .
ان بعض الضحايا تقتل بحجة غسل العار وبعد التحقيق يتبين ان المغتصب هو أحد افراد العائلة، وبعضهن انتهت حياتهن الزوجية بسبب رفضهن لهذا الوضع وعدم تصديقهن من الزوج والاهل
وقالت الناشطة المدنية تمارا عامر مديرة منظمة حقوق المرأة العراقية في الدنمارك: “تستلم منصات حقوق المرأة العراقية منذ سنين قضايا زنا المحارم، حيث في بادئ الامر كنا نحاول مساعدة الضحايا بدون نشر قصصهم أو ان نتطرق في الكشف عن هذه القضايا، لخوفنا من ردة فعل المجتمع، وفي حالات كثيرة يصعب إثبات الحالة، ولكننا دائما ننصح بتسجيل الاعتداء والتعامل مع الحالة بمهنية لحماية الضحية وتخليصها من سجنها وعذابها اليومي”.

وتضيف تمارا: ” اجريت منظمتنا في حزيران 2022 دراسة استقصائية ل 1800 مشارك من العراق كان 22,6% منهم تعرضوا للتحرش الجنسي من الاقارب ” .
أن زنا المحارم قنابل موقوتة في منازلنا بدأت تنفجر بسبب غياب الرقابة الذاتية وبعدنا عن التمسك بالدين، والبعد عن القيم الاخلاقية والانسانية والانسياق وراء الشهوات والتقاليد الاعمى، وقال نحن نعيش في عصر “فوضى الجنس” , جراء سهولة وصول الاحداث الى المواقع الإباحية عبر الانترنت,في ظل ضعف التربية والتوجيه الذي يؤدي الى مثل هذه السلوكيات .
حسين الخزاعي المتابع والمحلل في القضايا الاجتماعية والتربوية
وأوضحت أحدى المحاميات زنا المحارم بقولها: ” انه شذوذ عن قواعد الطبيعة البشرية وخروج عن فطرة منسقة، وواحد من أبشع انواع العنف ” . قبل عام ونصف، زارتني سيدة في مكتبي وتحدثت لي عن حالتها بالتفصيل؛ طالبة مني ان أنقذها بأسرع وقت من زواج، كان يجب له أن ينتهي، قائلة: “زوجي مو أمين على بناتي” وانفجرت غاضبة، تبكي، لتخبرني بما رأت وتكرر إمامها، مرات عدة: “زوجي يعاشر بناتي.. وهو أبوهن؛ يجب إن أتخلص منه، واهرب بهن بعيدا عنه”.
حالة هذا الأب، لا تختلف عن زوج امرأة قابلتها في محكمة “ذات السلاسل” بالكرخ، طلبت ان تبثني موضوع.. وصفته بـ “الحساس”. تطلقت خلعياً من زوجها، طالبة إن أصدقه قانونيا؛ نتيجة علاقة زوجها بأمها.. يعاشرها باستمرار .
مختصون بعلم الاجتماع وصفوا مرتكبي هذا النوع من الزنا، بأنهم بمستوى نفـسي واجتماعي منحط وانهم ينظرون لأنفسهم نظرة دونية، واغلـــبهم من مدمني المسكرات.
في زيارتي لجمعية “نساء بغداد” كونها واحدة من أهم مراكز رصد المعنفات في العاصمة بغداد لأجد عدة حالات تم رصدها وملاحقة مرتكبيها قانونياً؛ إذ تولت تأهيل الضحايا نفسياً وصحياً، تلافيا للانتحار، كما هو معتاد في اغلب حالات زنا المحارم، حيث يلجأن الى حرق أنفسهن، هذا ما بينته لنا احدى الباحثات في المركز. يمكن تمييز الانتحار عن الاحتراق الواقع قضاء وقدر، من رائحة النفط.. عادة تملأ جسد الضحية وحروق النيران تبدأ من أعلى الرأس لكن المصابة بحادث غير مقصود، عادة ما تكون إصابتها بمناطق اليدين،أو الجوانب” هذا ما ذكره د. محمد جاسم.. رئيس قسم الحروق، بمستشفى الكرخ في العطيفية، مضيفا: “أغلب الضحايا لا يفصحن عن سبب الانتحار،الا نادرا، فقبل أسابيع أسعفنا شابة مصابة بحروق جسيمة، تصرخ بهستيريا: “أخي اغتصبني” سجل المحققون إفادتها، وتوفيت بعد ثلاثة أيام”.

كما صرحت الباحثة إيناس هادي سعدون، وهي متخصصة في علم النفس إن الأسباب التي تؤدي إلى عدم إفصاح النساء عما يتعرضنَ له من تحرّش من ذوي القربة ؛ “الخوف وهو المسبب الرئيسي لمنع المرأة من التحدث وفضح المتحرش، خاصةً أن القانون العشائري يتزامن مع سلطة القانون في مجتمعنا العراقي، ويأخذ صدارةً وحيزاً أكبر في التنفيذ، فضلاً عن وصمة العار التي تتعرض لها المرأة والنظرة الدونية إليها من المجتمع“.
وتضيف: “أيضاً هناك جهل المرأة بحقوقها الشرعية، وقلة وعيها تجعلها خانعةً خاضعةً للسطوة العشائرية، وعدم استقلالها مادياً وفكرياً، إذ إن كثيرات من النساء يعشن في منأى عن المجتمع الخارجي، فليس لديهن أي تواصل مع جهة قانونية أو منظمة حكومية أو أي وسيلة تواصل أخرى تشجعهن وتوعّيهن على تقديم الدعاوى أو الشكاوى وحماية أنفسهن من ضرر الأهل والمتحرش“.
#تحرش #زنا_المحارم